بسم الله الرحمن الرحيم قال الله تعالى :{إِنَّ اللهَ اصْطَفَى ءادَمَ وَنُوحًا وَءالَ إِبْرَاهِيمَ وَءالَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} (سورة ءال عمران/33).
سيدنا ءادم عليه السلام هو أبو البشر وأول إنسان خلقه الله تعالى، فهو أوّل النوع البشريّ الذي فضّله الله على سائرِ أنواع المخلوقات، فهو أفضل من النوع الملَكيّ وأفضل من النوع الجنيّ.
وكان خلقه عليه السلام في الجنة ءاخر ساعة من يوم الجمعة من الأيام الست التي خلق اللهُ فيها السموات والأرض كما جاء في حديث مسلم، وروى مسلم وغيره أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"خيرُ يومٍ طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق ءادم".
كيف خلق ءادم عليه الصلاة والسلام:
شاء اللهُ سبحانه وتعالى بمشيئته الأزلية التي لا تتبدل ولا تتغير وجود ءادم عليه السلام فأبرزه بقدرته من العدم إلى الوجود. فقد أمر الله تعالى ملَكًا من ملائكته الكرام أن يأخذ من جميع أنواع تراب الأرض التي نعيش عليها ليخلق منه ءادم عليه السلام، فأخذ هذا الملَك من جميع أنواع تراب الأرضِ من أبيضها وأسودها وما بين ذلك، ومن سهلها وحَزْنها أي قاسيها وما بين ذلك، ومن طيبها ورديئها ومما هو بين ذلك.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنَّ اللهَ قبض قبضةً من الأرضِ من أبيضِها وأسودها وما بين ذلك، ومن طيبها ورديئها وما بين ذلك فجاء ذرية ءادم على قدر ذلك" رواه ابن حبان وغيره، وعند أحمد: "فجاء بنو ءادم على قدر الأرض، فجاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك، والسهل والحزن وبين ذلك، والخبيث والطيب وبين ذلك.
أي جاءت أحوال وألوان ذرية ءادم عليه السلام مختلفة بسبب هذا التراب المختلف الذي خُلق منه ءادم عليه الصلاة والسلام.
فائدة: قيل سمي ءادم بهذا الاسم لأنه من أديم الأرض أي من وجه الأرض.
معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الله خلق ءادم على صورته"
يجوز أن يكون معنى هذا الحديث: "إنَّ اللهَ خلقَ ءادم على صورتِه" أي على صورة ءادم الأصلية التي خلقه عليها طوله ستون ذراعًا وعرضه سبعة اذرع فيكون الضمير في "صورته" عائدًا إلى ءادم عليه السلام، ويجوز أن يكون الضمير في "صورته" عائدًا إلى اللهِ فيكون التقدير على الصورة التي خلقَها الله وجَعلها مشرفة مكرّمة، وتسمى هذه الإضافة إضافة المِلك والتشريف لا إضافة الجزئية كإضافة الكعبة إلى نفسه كقول الله تعالى لإبراهيم وإسماعيل: {أنْ طهّرا بيتيَ} لأن الله سبحانه لا يوصف بالجسمية والجزئية فيلس هو أصلاً لشىء ولا هو فرعًا عن شىء ولا يتحيّز في جهة ومكان لأن التحيّز للجسم اللطيف والكثيف.
الخِلقة التي خُلق عليها سيدنا ءادم عليه السلام:
خلق الله سيدنا ءادم عليه السلام جميل الشكلِ والصورة وحسن الصوت لأن جميع أنبياء الله الذين بعثهم الله لهداية الناس كانوا على صورة جميلة وشكل حسن وكذلك كانوا جميلي الصوت، قال صلى الله عليه وسلم: "ما بعثَ الله نبيًّا إلا حسنَ الوجهِ حسن الصوتِ وإنَّ نبيَّكم احسنهم وجهًا وأحسنهم صوتًا".
ولقد كان طول سيدنا ءادم عليه الصلاة والسلام ستين ذراعًا، وكان وافر الشعر شبهه رسول الله في الطول بالنخلة السَّحُوق، فلما خلقه الله قال: اذهب فسلم على أولئك (نفر من الملائكة جلوس) فاستمع ما يُحَيُّونَك فإنها تحيّتك وتحية ذريّتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه: ورحمة الله.
وكل من يدخل الجنة يكون على صورة ءادم في الطول فقد ورد في مسند الإمام أحمد بإسناد حسن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن أهل الجنة يدخلون الجنة على خلق ءادم ستين ذراعًا في عرض سبعة أذراع.
فائدة: روى الإمام أحمد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن اللهَ عزّ وجلَّ لما صوَّر ءادم تركه ما شاء اللهُ أن يتركَه فجعل إبليس يُطيف به فلما رءاه أجوف عرف أنّه خلقٌ لا يتمالك"، وعند أبي يعلى: "فكان إبليس يمر به فيقول: لقد خلقتَ لأمر عظيم".
ففي هذا الحديث الصحيح دليل على أن إبليس كان في الجنة لما خلق ءادم وذلك قبل أن يكفر لأنه كان مسلمًا يتعبد مع الملائكة ولم يكن منهم من حيث الجنس والأصل لأن الملائكة أصلهم النور وإبليس أصله من مارج من نار أي لهب النار، وفيه أن إبليس كان يدور حول هيكل ءادم وذلك قبل أن ينفخ فيه الروح فرءاه أجوف أي شيئًا غير مُصَمَتٍ بل له جوف، فعرف أنه خلق لا يتمالك أي ليس كالملائكة ولا كالجمادات بل هو أضعف من ذلك.
ومن الكذب الظاهر ما شاع من نظرية ابتدعها بعض الكفار وهي أن أصل البشر قرد أو يشبه القرد وهذا فيه تكذيب لقوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} (سورة التين/4) فسيدنا ءادم عليه الصلاة والسلام هو أول إنسان خلقه الله تبارك وتعالى، لم يكن أصله قرداً ثم ترقى حتى صار إنسانًا {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا} (سورة الكهف/5)، فنظرية داروين التي تقول إن الإنسان أصله قرد ثم ترقى بسبب العوامل المجهولة حتى صار هذا الإنسان هي نظرية باطلة لا تقوم على أساس علميّ وتردها دلائل النقل وإن تلفقها المفتونون بكل جديد ولو كان سخيفًا باطلاً.
ذكر إخراج أرواح ذرية ءادم من ظهره وأخذ الميثاق:
روى النسائي وأحمد وابن جرير والحاكم في المستدرك بالإسناد عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ اللهَ أخذ الميثاقَ من ظهر ءادم عليه السلام بنعمان يوم عرفة، فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرها بين يديه ثم كلمهم قُبُلاً قال: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ ءابَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} (سورة الأعراف).
وروى الإمام أحمد في مسنده بإسناده عن شعبة، عن أبي عمران عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة: لو كان لك ما على الأرض من شىء أكنتَ مفتديًا به؟ قال: فيقول: نعم، فيقول: قد أردت منك ما هو أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر ءادم أن لا تشرك بي شيئًا فأبيت إلا أن تشرك بي"، وقد أخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة به.
فهذه الأحاديث كلها دالة على استخراجه سبحانه وتعالى ذرية ءادم من ظهره كالذرّ ثم استنطقهم وأخذ عليهم العهد وأشهد عليهم أنفسهم.
خلق حواء عليها السلام:
خلق الله تعالى سيدتنا حواء من ضلع ءادم الأيسر الأقصر كما جاء في الحديث الذي رواه الشيخان: "ولأم مكانه لحمًا" قيل لذلكَ سميت حواء بهذا الاسم لأنها خلقت من شىء حيّ، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضِلَع، وإنَّ أعوجَ شىء في الضّلع أعلاه، فإن ذَهبتَ تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء" الحديث.
ولم يخلق الله تبارك وتعالى حواء طفلة صغيرة ثم طورها إلى الكبر، بل خلقها على هيئتها التي عاشت عليها كبيرة طويلة مناسبة لطول ءادم عليه السلام، قال الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَآءً} (سورة النساء/1). وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} (سورة الأعراف/189) وقد زوَّج الله تعالى ءادم حواء وجعلها له حلالاً في الجنةِ ثم كانا كذلك في الأرض.
سجود الملائكة الكرام لنبي الله آدم عليه السلام واعتراض إبليس اللعين
أمر الله تبارك وتعالى الملائكةَ بالسجود لسيدنا ءادم عليه السلام فامتثل الملائكةُ لأمر الله وسجدوا كلهم لأن الملائكة كما وصفهم الله تعالى: {لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (سورة التحريم/6).
وأما إبليس فقد استكبر واعترض على الله ولم يمتثل لأمره وقال: {أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} (سورة الأعراف/12) فكفر وظهر منه ما قد سبق في علم الله تعالى ومشيئته من كفره واعتراضه باختياره، وقد ورد في الأثرِ أنه كان قبل كفره يسمى عزازيل.
وروى مسلم وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قرأ ابن ءادم السجدة(التي في بعض سور القرءان) فسجدَ اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويلَه، أمر ابن ءادم بالسجود فسجد فله الجنة، وأُمرت بالسجودِ فأبيت فلي النار".
ثم بعد أن عرف إبليس اللعين أنه ملعون طلب من الله أن ينظره أي يؤخره إلى يوم البعث أي يوم الخروج من القبور، ولكن الله لم يجبه إلى ذلك بل أخره إلى النفخة الأولى ليذوق الموت الذي حكم الله به على خلقه، قال تعالى مخبرًا عن قول إبليس: {قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ * إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ} (سورة ص/79-80-81).
ومعنى قوله تعالى: {كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} (سورة القصص/88) أي إلى زمن نفخة الإهلاك وهي نفخة إسرافيل في البوق فيموت كل حي من الإنس والجن من هَول ذلك الصوت (قال البخاري في تفسير قوله تعالى: {كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} إلا ملكه، ومعناه سلطان الله لا يهلك).
ثم إن إبليس اللعين لما اعترض وكفر أمره الله بالخروج من الجنة، قال تعالى: {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُومًا مَّدْحُورًا}(سورة الأعراف/18)، وقال تعالى: {فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ}(سورة ص).
وقد كان إبليس قبل ذلك الوقت مسلمًا مؤمنًا من الجنّ يعبد الله مع الملائكة، وذلك قبل أن يكفر ويعترض على الله، وليس صحيحًا أنه كان طاووس الملائكة ولا رئيسًا لهم كما يزعم بعض الجهال، قال الحسن البصري: لم يكن إبليس من الملائكة طرفة عين قط، وقال شهر بن حوشب: كان من الجن، ويدل على ذلك قوله تعالى: {قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} (سورة الكهف/50)، وقوله تعالى: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} (سورة الحجر/30)، فلو كان من الملائكة لم يعص ربه لأن الله تعالى وصفهم في القرءان الكريم بقوله: {لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (سورة التحريم/6).
ومما يدل أيضًا على أن إبليس ليس من الملائكة بل هو من الجن قوله تعالى: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} (سورة الأعراف/12) ففي هذه الآية دليل على أن إبليس مخلوق من نار، بخلاف الملائكة فإنهم خلقوا من نور كما جاء في صحيح مسلم وغيره عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخُلق ءادم مما وُصف لكم".
أما سجود الملائكة لآدم فكان سجود تحية وإكرام لا عبادة لآدم، وكان سجود المخلوق للمخلوق جائزًا في شرائع الأنبياء ثم حرمه الله في شرع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
خلافة بني ءادم في الأرض:
قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (سورة البقرة/30).
هذه الآية تخبر أن الله قضى على ءادم وبَنِيه باستخلاف الأرض لعمارتها والانتفاع بما أودعه فيها من نبات وحيوان ومعادن ويتولى بعضهم على بعض بالحكم وغير ذلك.
وقد أخبر الله الملائكة وأعلمهم أنه سيجعل بني ءادم خليفة في الأرض يسعون فيها ويمشون في مناكبها وينتشر نسلهم في أرجائها، ويأكلون من نباتها ويستخرجون الخيرات من باطنها ويخلف بعضهم بعضًا فيها.
فسألت الملائكة ربها للاستكشاف عن الحكمة في جعله خليفة في الأرض لا للاعتراض على الله وقالت: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} (سورة البقرة/30) أي نحن نعبدك دائمًا ولا يعصيك منا أحد.
فبيّن اللهُ للملائكة الحكمةَ من جعل بني ءادم خليفة في الأرض وهو أن البشر وإن كان فيهم من يسفك الدماء ويفسد في الأرض، لكن منهم الأنبياء والأولياء، ونصب لهم دليلاً على فضل ءادم أن علمه أسماء كل شىء فتفوق على الملائكة بذلك وقال الله لآدم: {أنبئهم بأسمائهم} (سورة البقرة/33) فصار ءادم يقول لهم هذا اسمه كذا هذا اسمه كذا فعرفوا أن هذا الجنس أفضل منهم.
كيف عرف الملائكة أن بني ءادم يفسدون:
عرف الملائكةُ ذلك من أنه كان مضى قبل ذلك جن يعيشون في الأرض فأفسدوا فأحرقتهم الملائكة على ما ورد في بعض الآثار، وليس السبب ما قال بعض الناس أنه سبق قبل ءادم أوادم كثير حتى قال بعضهم كان مائة ألف ءادم، وهذا قول هراء ليس له أساس من الصحة.
أما سجود الملائكة لآدم فكان سجود تحية وإكرام لا عبادة لآدم، وكان سجود المخلوق للمخلوق جائزًا في شرائع الأنبياء ثم حرمه الله في شرع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
سكنى ءادم وزوجته حواء الجنة
أمر الله تعالى سيدنا ءادم وزوجته حواء التي جعلها حلالاً له أن يسكنا الجنة، وهي جنة الخلد التي سيدخلها المؤمنون يوم القيامة.
وقد أباح الله لآدم وحواء سكنى الجنة والأكل من ثمارها والشرب من مياهها والتنعم بنعيمها من غير مشقة ولا تعب يلحقهما في الحصول على ما يريدان من طعام وشراب، إلا شجرة واحدة حرمها عليهما ونهاهما عن الأكل منها، وحذرهما من عداوة إبليس وإغوائه لهما، ولم يرد في القرءان الكريم ولا في الحديث الثابت الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هي هذه الشجرة، لذلك اختلف العلماء في تعيينها فقيل هي الحنطة وقيل هي التفاح، وقيل هي النخلة، وقيل التين، وقيل غير ذلك، فقد تكون واحدة من هذه وقد تكون من غيرها، وقال بعضهم: هذا الخلاف لا طائل تحته لأنه لا يتعلق بتعيينها حكم شرعيّ ولا فائدة تاريخية وإلا لعينها لنا القرءان.
وسكن ءادم وزوجه حواء الجنة وصارا يتمتعان بما فيها من نعيم وما فيها من كل ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين، فكان يتنقل بين أشجارها ويقطف من ثمارها ويتنعم بفاكهتها ويشرب من عذب أنهارها ومياهها، قال الله تعالى: {وَقُلْنَا يَا ءادَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ}(سورة البقرة/35).
سبب خروج ءادم من الجنة
السبب في ذلك أن ءادم خالف النهي الذي نهاه الله لأنه أعلمه بالمنع من أكل شجرة واحدة من أشجار الجنة وأباح له ما سواها فوسوس الشيطان له ولحواء أن يأكلا منها فقال لهما ما أخبر الله تعالى في القرءان: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} (سورة الأعراف/20) فأكلا منها فأخرجهما الله تعالى من الجنة، وكان ذلك قبل أن تنزل عليه النبوة والرسالة لأنه إنما نبّىء بعد أن خرج من الجنة فتابا من تلك المعصية، ولا تعد تلك المعصية معصيةً كبيرة قال الله تعالى: {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى}(سورة طه/122).
ثم بعد خروجهما من الجنة تناسلا فعلّم ءادم أولاده أمور الإسلام فكل ذريته كانوا على الإسلام، ثم نبىء بعد ءادم ابنه شيث، ثم بعد وفاة شيث نبىء إدريس ثم كفر بعض البشر بعبادة الأصنام فبعث الله الأنبياء بالتبشير لمن أطاعهم بالجنة والإنذار بالنار لمن خالفهم بعبادة غير الله وتكذيبهم.
مما ابتلي به ءادم وحواء بعد أكل الشجرة أنه نزع عنهما لباسهما وانكشف لهما سوءاتهما فطفقا يلصقان عليهما من ورق الجنة وكان لباسهما الذي كان عليهما من نور، وقد دل القرءان العظيم على أنه كان عليهما لباس في قوله تعالى: {يَا بَنِي ءادَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا} (سورة الأعراف/27)، ثم بعد أن نزلا إلى الأرض علمه الله تعالى أسباب المعيشة فأنزل له القمح وعلمه كيف يبذر وكيف يحصد وكيف يعمل للأكل، وعلمه النقدين الذهب والفضة فعمل الدراهم والدنانير. فآدم عليه السلام له فضل كبير على البشر لما له عليهم من حق الأبوة وتعليم أصول المعيشة فلا يجوز تنقيصه، فمن نقصه أو أنكر رسالته فهو كافر.
تنبيه: لا يقال طرد الله ءادم من الجنة لأن هذا اللفظ فيه تحقير لسيدنا ءادم بل يقال أهبط كما يفيد نص القرءان.
مدة إقامة ءادم عليه السلام في الجنة واليوم الذي خرج فيه من الجنة
اختلف العلماء في مقدار مقام ءادم عليه السلام في الجنة فروى الحاكم في مستدركه أن ءادم لم يمكث في الجنة إلا ما بين العصر إلى الغروب، والأقوى أنه مكث مائة وثلاثين عامًا. ولا ينافي هذا بالنسبة لتلك الأيام الستة أن يكون أدرك فيها مائة وثلاثين عامًا ثم أكمل الألف في الأرض كما يفهم ذلك من بعض الآثار.
وقد ورد أن اليوم الذي أخرج فيه ءادم عليه السلام من الجنة وهبط فيه إلى الأرض كان يوم الجمعة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خيرُ يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خُلِق ءادم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها" رواه مسلم، ورواه أحمد بنحوه.
مكان نزول ءادم عليه السلام على الأرض:
أمر اللهُ سيدنا ءادم وحواء بالهبوط من الجنة إلى الأرض، وأمر إبليس بالهبوط إليها أيضًا، وأخبرهما أن العداوة بينهما وبين إبليس اللعين ستظل قائمة وبالتالي ستكون بين إبليس وبني ءادم قال الله تعالى:{وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} فيروى أن ءادم عليه السلام نزل في أرض الهند في أرض تسمى سرنديب على أشهر الأقوال،ونزلت حواء عليها السلام في أرض أخرى قيل إنها جُدّة، فجاء سيدنا ءادم في طلبها حتى أتى جمعا فازدلفت (أي اقتربت) إليه حواء فلذلك سميت المزدلفة وهي بين مكة وعرفة،وقيل إنهما تعارفا في عرفات لذلك سميت عرفات، وأما إبليس اللعين فقيل إنه نزل بالأُبلة أرض في العراق.وقيل سميت عرفات لأن جبريل عليه السلام لما علم إبراهيم عليه السلام المناسك قال له عَرَفْتَ، قال:عَرَفْتُ، لذلك سميت عرفات.
فائدة: قيل إن أطيب بقعة في الأرض ريحًا الأرض التي أهبط بها ءادم فعلق بشجرها من ريح الجنة، قيل إن تلك الأرض التي نزل بها ءادم من أصح بلاد الأرض فناسبت أن تكون موطنه لكونه قريب عهد بالجنة.
بناء البيت الحرام:
أمر اللهُ ءادم عليه السلام أن يبني البيت الحرام فقدم مكة وبنى البيت من خمس أجبُل: من طور سيناء، وطور زَيْتَى، ولبنان، والجودي، وبنى قواعده من حراء، فلما فرغ من بنائه أرسل الله له ملكًا علمه المناسك، ثم بقي كذلك حتى أغرق الله قومَ نوح عليه السلام فرُفع البيت وبقي أساسه فجاء سيدنا إبراهيم عليه السلام فبناه.
قصة هابيل وقابيل
قال الله تبارك وتعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ ءَادَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنم بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوأَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَآءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتي أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31)} (سورة المائدة).
تتلخص قصة هابيل وقابيل أن حواء عليها السلام ولدت أربعين بطنًا على قول بعض العلماء وقال بعضهم ولدت عشرين بطنا، وكانت تلد في كل بطن ذكرًا وأنثى، وكان سيدنا ءادم عليه السلام يُزوج ذكر كل بطن بأنثى من بطن ءاخر، ويقال إن هابيل أراد أن يتزوج بأخت قابيل التي كانت أجمل من أخت هابيل لكن قابيل أراد أن يستأثر بها، فأمره ءادم عليه السلام أن يزوجه إياها فأبى، فأمرهما أن يقربا قربانًا وهو ما يتقرب به إلى الله تعالى وذهب ءادم إلى مكة ليحجّ، وقرّب كل واحد منهما قربانه بعد ذهاب أبيهم ءادم عليه السلام.
فقرَّب هابيل جذعة سمينة وكان صاحب غنم، وأما قابيل فقرب حزمة من زرع رديء وكان صاحب زرع، فنزلت نار فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل، فغضب قابيل غضبًا شديدًا، وقال لأخيه هابيل: لأقتلنك حتى لا تنكح أختي فقال له: إنما يتقبل الله من المتقين.
وذات ليلة أبطأ هابيل في المرعى، فبعث سيدنا ءادم عليه السلام (وكان قد رجع من الحج) أخاه قابيل لينظر ما أبطأ به، فلما ذهب إذ هو به، فقال له: تقبل منك ولم يتقبل مني، فقال له هابيل: إنما يتقبل الله من المتقين، فغضب عندئذ قابيل، ثم أتاه وهو نائم فرفع صخرة فشدخ بها رأسه، وقيل خنقه خنقًا شديدًا. وأما قول هابيل لقابيل: {لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوأَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ (29)} (سورة المائدة) فمعناه أريد ترك مقاتلتك وإن كنت أشد منك وأقوى فتتحملُ إثم قتلي مع ما لك من الآثام المتقدمة قبل ذلك.
وقيل: لما قتل قابيل هابيل ندم على ذلك، فضمه إليه حتى تغيرت رائحته، وعكفت عليه الطير والسباع تنتظر حتى يرمي به فتأكله، وكره أن يأتي به ءادم فيحزنه، ولم يزل يحمله حتى جاء غرابان، فاقتتلا أمام قابيل فقتل أحدهما الآخر، فعمد إلى الأرض يحفر له بمنقاره فيها، ثم ألقاه ودفنه وجعل يحثي عليه التراب حتى واراه، فقال عندها قابيل: {يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي} (سورة المائدة/31) ثم أخذ يفعل به ما فعل ذاك الغراب فواراه ودفنه تحت التراب.
وليعلم أن ابن ءادم قابيل الذي قتل أخاه هابيل كان مسلمًا مؤمنًا ولم يكن كافرًا، وإنما ارتكب معصية كبيرة بقتله أخاه هابيل ظلمًا وعدوانًا.
فائدة: روى الجماعة سوى أبي داود وأحمدُ في مسنده عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُقتل نفس ظلمًا إلا كان على ابن ءادم الأول كفل من دمها لأنه كان أول من سن القتل" أي ظلمًا. فعلم من ذلك أن قابيل ما تاب من قتله لهابيل.
وبجبل قاسيون شمالي دمشق مغارة يقال لها مغارة الدم، ذُكر بأنها المكان الذي قتل قابيل أخاه هابيل عندها، والله أعلم بصحة ذلك.
موت سيدنا ءادم وحواء عليهما السلام
عاش سيدنا ءادم عليه السلام ألف سنة قيل قضى منها مائة وثلاثين سنة في الجنة، وبقية الألف عاشها على هذه الأرض التي نزل إليها.
ولما مات بقيت ذريته على دين الإسلام يعبدون الله تعالى وحده ولم يشركوا به شيئًا، فعاش البشر ألف سنة أخرى على دين الإسلام. ولم يكن فيهم كفر ولا شرك، وإنما حصل الكفر والشرك بعد نبي الله إدريس عليه الصلاة والسلام فكان سيدنا نوح عليه السلام أول نبي بعث إلى الكفار.
وقد ورد في الأثر أن ءادم عليه السلام دفن في مكة أو في منى قريب مسجد الخيف حيث دفن سبعون نبيًّا، وقبورهم مخفاة ولا يوجد علامات تدل عليها، وقيل دفن عند الجبل الذي أهبط عنده في الهند، وقيل بجبل أبي قبيس بمكة، والله أعلم.