سيرة الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري رضي الله عنه
المجاهر بالحق
كان أبو ذر الغفاري (رضي الله عنه) من الرجال الذين أحبهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
ووصفه بصفتين التصقا به وأصبحا يوجهانه في المواقف المختلفة ، وهما الصدق والوحدة والتفرد ، ولقد دفع الصدق أبا ذر لأن يكون من أكثر الصحابة مجاهرة بالحق مهما عرضه ذلك للأذى فكان من القلائل الذين أعلنوا إسلامهم في قريش ، أما الوحدة والتفرد فقد قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم (رحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث يوم القيامة وحده).
من هو أبو ذر؟!
هو أبو ذر جندب بن جنادة كان طوالا آدم وكان يتعبد قبل مبعث رسول الله وكان شجاعا ينفرد وحده فيقطع الطريق ويغير على الناس كأنه السبع
إسلامه
أسلم بمكة قديما وقال كنت في الإسلام رابعا ورجع إلى بلاد قومه فأقام بها حتى مضت بدر وأحد والخندق ثم قدم المدينة.
ويروي أبو ذر قصة إسلامه في الحديث الذي رواه البخاري عن ابن عباس(رضي الله عنه)قال: ألا أخبركم بإسلام أبي ذر قال: قلنا بلى. قال:
قال أبو ذر كنت رجلا من غفار فبلغنا أن رجلا قد خرج بمكة يزعم أنه نبي فقلت لأخي انطلق إلى هذا الرجل كلمه واتني بخبره فانطلق فلقيه ثم رجع فقلت ما عندك فقال والله لقد رأيت رجلا يأمر بالخير وينهى عن الشر فقلت له: لم تشفني من الخبر فأخذت جرابا وعصا ثم أقبلت إلى مكة فجعلت لا أعرفه وأكره أن أسأل عنه وأشرب من ماء زمزم وأكون في المسجد قال فمر بي علي فقال كأن الرجل غريب قال: قلت: نعم. قال فانطلق إلى المنزل قال فانطلقت معه لا يسألني عن شيء ولا أخبره فلما أصبحت غدوت إلى المسجد لأسأل عنه، وليس أحد يخبرني عنه بشيء.
قال فمر بي علي فقال: أما آن للرجل أن يعرف منزله بعد.
قال: قلت لا.
قال: انطلق معي
قال: فقال ما أمرك وما أقدمك هذه البلدة
قال: قلت له إن كتمت علي أخبرتك
قال: فإني أفعل، قال: قلت له بلغنا أنه قد خرج ها هنا رجل يزعم أنه نبي فأرسلت أخي ليكلمه فرجع ولم يشفني من الخبر فأردت أن ألقاه.
فقال له: أما إنك قد رشدت هذا وجهي إليه فاتبعني ادخل حيث أدخل فإني إن رأيت أحدا أخافه عليك قمت إلى الحائط كأني أصلح نعلي وامض أنت فمضى ومضيت معه حتى دخل ودخلت معه على النبي (صلى الله عليه وسلم) فقلت له: اعرض علي الإسلام فعرضه فأسلمت مكاني فقال لي يا أبا ذر اكتم هذا الأمر وارجع إلى بلدك فإذا بلغك ظهورنا فأقبل فقلت والذي بعثك بالحق لأصرخن بها بين أظهرهم فجاء إلى المسجد وقريش فيه فقال يا معشر قريش إني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، فقالوا قوموا إلى هذا الصابئ فقاموا فضربت لأموت، فأدركني العباس فأكب علي ثم أقبل عليهم فقال: ويلكم تقتلون رجلا من غفار ومتجركم وممركم على غفار فأقلعوا عني فلما أن أصبحت الغد رجعت فقلت مثل ما قلت بالأمس فقالوا قوموا إلى هذا الصابئ فصنع بي مثل ما صنع بالأمس وأدركني العباس فأكب علي وقال مثل مقالته بالأمس قال فكان هذا أول إسلام أبي ذر رحمه الله
مناقبه
وردت أحاديث في كتب الصحاح في فضل أبي ذر ومناقبه ومنها:
عن أبي حرب بن أبي الأسود قال سمعت عبد الله بن عمر قال سمعت رسول الله يقول "ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء من رجل أصدق من أبي ذر" رواه الإمام أحمد
وعن الحارث بن يزيد الحضرمي عن ابن حجيرة الأكبر "عن أبي ذر قال قلت يا رسول الله ألا تستعملني قال فضرب بيده على منكبي ثم قال "يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها" (مسلم)
وعن ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله أمرني بحب أربعة وأخبرني أنه يحبهم قيل يا رسول الله سمهم لنا قال علي منهم يقول ذلك ثلاثا وأبو ذر والمقداد وسلمان أمرني بحبهم وأخبرني أنه يحبهم" (رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك)
وعن المعرور بن سويد قال لقيت أبا ذر بالربذة وعليه حلة وعلى غلامه حلة فسألته عن ذلك فقال إني ساببت رجلا فعيرته بأمه فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم "يا أبا ذر أعيرته بأمه إنك امرؤ فيك جاهلية إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم"(مسلم)
وعن الأحنف بن قيس قال كنت بالمدينة فإذا أنا برجل يفر الناس منه حين يرونه قال قلت من أنت قال أنا أبو ذر صاحب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال قلت ما يفر الناس قال إني أنهاهم عن الكنوز بالذي كان ينهاهم عنه رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
المدينة المنورة
بعد مرور الأيام و هجرة الرسول إلى المدينة واستقرار المسلمين فيها ، يأتي يوم وإذا صفوف من المشاة والركبان فيها قبيلة غفار برجالها ونسائها وقبيلة أسلم يقودهم أبو ذر إلى المدينة مسلمين ، فتعجب الرسول من صنيع ودعوة أبو ذر ، وأستقبلهم ونظر إلى قبيلة غفار .وقال (غفار غفر الله لها. ثم إلى قبيلة أسلم فقال: وأسلم سالمها الله ، ثم قال الرسول لأبي ذر : ما أقلّت الغبراء, ولا أظلّت الصحراء أصدق لهجة من أبي ذر) .
كن أبا ذر
في غزوة تبوك أمر الرسول بالتهيؤ لملاقاة الروم ، وكانت أيام عسر وشقة وحر شديد وتخلف فيها من تخلف من المنافقين والمعذورين ، وكان منهم أبو ذر الذي تخلف وأبطا به بعيره فما كان منه إلا أن نزل من فوق ظهر البعير, وأخذ متاعه وحمله على ظهره ومضى ماشيا على قدميه, مهرولا, وسط صحراء ملتهبة حتى يدرك الرسول وصحبه ، فتوقف الرسول والصحابة وقفة أستراحة حتى رأى أحدهم رجل يمشي على الطريق وحده فقال الرسول : ( كن أبا ذر ) فلما أقبل كان هو أبو ذر .
فقال الرسول
( يرحم الله أبا ذر ، يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده ) .
الحديث النبوي
روى عنه: حذيفةُ بن أَسِيد الغِفاري، وابنُ عباس، وأنسُ بنُ مالك، وابنُ عمر، وجُبـير بن نُفير، وأبو مسلم الخَولاني، وزيدُ بنُ وهب، وأبو الأسود الدُّئِلي، ورِبعيُّ بنُ حِراش، والمعرورُ بن سُويد، وزِرُّ بن حُبـيش، وأبو سالم الجَيْشاني سُفيان بن هانىء، وعبدُ الرحمن بن غَنْم، والأحنفُ بنُ قيس، وقيسُ بن عُبَاد، وعبدُ الله بن الصامت، وأبو عثمان النَّهدي، وسُويد بنُ غَفَلة، وأبو مُراوح، وأبو إدريس الخولاني، وسعيدُ بنُ المُسيِّب، وخَرَشةَ بن الحُرِّ، وزيدُ بن ظبـيان، وصعصعةُ بنُ معاوية، وأبو السَّليل ضُريبُ بن نُفَير، وعبدُ الله بن شقيق، وعبدُ الرحمن بن أبـي ليلى، وعُبـيد بن عمير، وغُضيفُ بن الحارث، وعاصمُ بنُ سفيان، وعُبـيدُ بن الخَشخاش، وأبو مسلم الجَذْمِيُّ، وعطاءُ بنُ يسار، وموسى بنُ طلحة، وأبو الشعثاء المُحاربـي، ومُوَرِّقُ العِجلي، ويزيدُ بن شَريك التيمي، وأبو الأحوص المدني ـ شيخٌ للزهري ـ وأبو أسماء الرَّحَبـيُّ، وأبو بَصرة الغِفاري، وأبو العالية الرِّياحي، وابنُ الحوتكية، وجَسرةُ بنتُ دجاجة.
مع الأمراء
تبدأ قصة أبو ذر وخلافه مع الأمراء و مال المسلمين بحديث للرسول ، حيث ألقى الرسول يوما هذا السؤال:
يا أبا ذر كيف أنت اذا أدركك أمراء يستأثرون بالفيء؟
فأجاب قائلا: اذن والذي بعثك بالحق, لأضربن بسيفي . فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام: أفلا أدلك على خير من ذلك..؟ اصبر حتى تلقاني . ومضى عهد الرسول, ومن بعده عصر أبي بكر, وعصر عمر وفيها مراقبة صارمة لولاتهم في العراق, و الشام, و صنعاء ، والبلاد النائية ، وبعد الفتوحات الإسلامية في عهد الفاروق عمر والسلطة والثروات في الأقطار الأسلامية بدأت الأموال تفسد المجتمع ، والسلطة والجاه وغيرها فكان أبو ذر يتوجه إلى أقاليم المسلمين و ولاتها ويحذرهم من السلطة والمال ومعارضا للولاة ، فكان يردد (بشّر الكانزين الذين يكنزون الذهب والفضة بمكاو من نار تكوى بها جباههم وجنوبهم يوم القيامة ) ، وتوجه إلى الشام .
الشام
أغلب صراعه ومعارضته كانت في الشام ، حيث الخيرات والأموال في ولاية معاوية بن أبي سفيان بدمشق وكان ذلك في حكم عثمان بن عفان ، وكان معاوية يعطي الأموال ويوزعها بغير حساب, يتألف بها الناس ، وكان أبو ذر يعلم الناس جميعا أنهم جميعا سواسية كأسنان المشط ، وأنهم جميعا شركاء في الرزق ، وأنه لا فضل لأحد على أحد الا بالتقوى ، وكانت الجموع تلتف حوله ولو أراد ثورة أو سلطة أو إمارة لأخذها ولكنه أراد النصح لولي الأمر, فحدث الخلاف بين أبو ذر ومعاوية ، ثم يوجه السؤال للجالسين حوله من الصحابة الذين صحبوا معاوية إلى الشام وصار لبعضهم قصور وضياع ، ويستشعر معاوية الخطر ، ويكتب عن فوره للخليفة عثمان يقول له: ان أبا ذر قد أفسد الناس بالشام ، ويكتب عثمان لأبي ذر يستدعيه من دمشق للمدينة ، وأطاع أبو ذر أمر خليفته ، ومما سمع عثمان من شكاوى ضد أبو ذر ومشايعة الجماهير لآرائه ، دار الحوار بين عثمان وأبو ذر وأستقر راي عثمان على نفيه إلى الربذة .
قال ابن العربى المالكى في كتاب العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحبة بعد موقف النبى صلى الله عليه وسلم في معرض رده على الإتهامات التى وجهت إلى الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضى الله عنه فقال:{5-وأما نفيه أبو ذر إلى الربذة فلم يفعل(1)كان أبو ذر زاهدا وكان يقرّع عمال عثمان ويتلوا عليهم{والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم} ويراهم يتسعون في المراكب والملابس حين وجدوا فينكر ذلك عليهم ويريد تفريق جميع ذلك من بين يديهم وهو غير لازم. قال ابن عمر وغيره من الصحابة:"إن ما أديت زكاته فليس بكنز". فوقع بين أبى ذر رضى الله عنه ومعاوية كلاما بالشام, فخرج إلى المدينة فاجتمع الناس إليه فجعل يسلك تلك الطرق, فقال له عثمان رضى الله عنه:"لو اعتزلت". معناه: إنك على مذهب لا يصلح لمخالطة الناس, فإن للخلطة شروطا وللعزلة مثلها, ومن كان على طريقة أبى ذر فحاله يقتضى أن ينفرد بنفسه, أو يخالط ويسلّم لكل أحد حاله مما ليس بحرام في الشريعة. فخرج إلى الربذة زاهدا فاضلا, وترك جلة فضلاء, وكل على خير وبركة وفضل, وحال أبى ذر أفضل. ولا تمكن لجميع الخلق, فلو كانوا عليها لهلكوا فسبحان مرتب المنازل.}
قال المعلق الشيخ محب الدين الخطيب رحمه الله عز وجل (وإنما اختار أبو ذر أن يعتزل في الربذة فوافق عثمان على ذلك كما صح في حديث عبادة بن الصامت عند ابن حبان فأكرمه عثمان وجهزه بما فيه راحته (1549:موارد الظمآن)
أقواله
والذي نفسي بيده, لو وضعتم السيف فوق عنقي, ثم ظننت أني منفذ كلمة سمعتها من رسول الله قبل أن تحتزوا لأنفذتها.
وفاته رضي الله عنه
مات في الربذة حيث جلست زوجته بجواره تبكي, وانه ليسألها: فيم البكاء والموت حق؟ ، فتجيبه بأنها تبكي: لأنك تموت, وليس عندي ثوب يسعك كفنا، فقال: لا تبكي, فاني سمعت رسول الله ذات يوم وأنا عنده في نفر من أصحابه يقول: ليموتنّ رجل منكم بفلاة من الأرض, تشهده عصابة من المؤمنين. فأتت قافلة على رأسهم عبدالله بن مسعود. فعرفه ووقف على جثمانه قائلا: صدق رسول الله، تمشي وحدك, وتموت وحدك, وتبعث وحدك
رضي الله عن أبي ذر الغفاري وألحقنا به في جنات النعيم